.

 

تتوالى الأعياد وتمر الأيام وتكر الليالي، وما إن يطل علينا عيدٌ من بعيد حتى نتنهد ونصوب أعيننا إلى الأفق نترقب وصوله، بفرحٍ أحياناً وبحزنٍ أحياناً أخرى وطالما ارتبط العيد في أكثر حالاته بالفرح والسرور والحبور ولبس الجديد والفريد، ويجب ألا تنسينا سكرة العيد اللوحة الأخرى، إذ ربما نستعيد في بعض الأوقات، ونحن نردد في سيمفونية لا تمل شطر بيتٍ من أشهر الأبيات على الإطلاق: ( عيدٌ بأية حالٍ عُدت يا عيدُ ).

نلامس روح المتنبي الثائرة والخاسرة التي خرجت زفراتها قذائفاً لاهبة في لحظة يأسٍ مطبقة، وهو يغادر في ضحى العيد هارباً من مصر، التي تبخرت فيها أحلامه وتشتت آماله، وهو يخوض في غمار ليله وبيدائه، نلقاه على صفحات الصحراء يذرعها ويحدو:

 

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ  ** بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ *** فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي *** شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ

أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني *** هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ

ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ *** أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ

 

يأتي العيد وتتكرر المأسأة أو الملهاة، وما بينهما يمتد أفقٌ لا حدود له..

لنلمح بعد ذلك أحد أعظم ملوك الطوائف في الأندلس المعتمد بن عباد، وهو أسيرٌ في أغمات وقد اشتدت به الأغلال وهو يرى بناته اللواتي كن يمشين في الحرير ويدسن الطيب يراهن في صورة تراجيدية لا يستطيع أحدٌ سواه - وقد رأى الحالين - أن يصورها:

 

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا *** وكان عيدك باللّذات معمورا

وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ *** فساءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الأطمار جائعةً *** في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا

معاشهنّ بعيد العــزّ ممتهنٌ *** يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا

أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه *** ولست يا عيدُ مني اليوم معذورا

وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَـجٌ *** فعاد فطرك للأكبــاد تفطيرا

 

وإن خرجنا من الهم الذاتي الطافح بالألم والحسرة إلى الهم الجمعي، فماذا نرى..؟!!

هل ما يعيشه المسلمون يجعل لهم عيداً..؟!!

نستمع للشاعر الدمشقي المغاربي عمر بهاء الدين الأميري:

 

يقولـونَ لـي: عيـدٌ سعيـدٌ، وإنَّهُ *** ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ..

أعيـدٌ سعيـدٌ !! يالها من سعـادةٍ *** وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ

 

وإذا ما غادرنا شاعرنا الدمشقي نجد عمراً آخر ودمشقياً أيضاً، وشكوى للعيد مع الشاعر عمر أبو ريشة:

 

يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد *** فكيـف تلقــاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ؟

يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ *** لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييدُ؟..

 

وإن كان الأمل لا يفارقه لينشد بعد هذه اللوعة الحارقة:

 

سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ  *** ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ..

 

ولن نبعد كثيراً لنرى الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي يعزف:

 

أقبلت يا عيد والأحزان نائمـة *** على فراشي وطرف الشوق سهران..

من أين نفرح يا عيد الجراح وفي *** قلوبنا من صنوف الهمِّ ألـــوان..؟!!

من أين نفرح والأحداث عاصفة.. *** وللدُّمى مـقـل ترنـو وآذان..؟!

 

ليصرخ بعد هذا كله، وعلى لسان فتاة الإسلام المقهورة تنادي الهلال بأن يغيب، وإلى متى..؟!!

من يدري ربما لأجلٍ غير مسمى:

 

غِبْ يا هلالْ

قالوْا :

ستجلبُ نحوَنا العيدَ السعيدْ

عيدٌ سعيدٌ ؟!!

والأرضُ ما زالتْ مبلَّلَةََ الثَّرى

بدمِ الشَّهيدْ..!!

عيدٌ سعيدٌ في قصور المترفينْ

هرمتْ خُطانا يا هلالْ..

ومدى السعادةِ لم يزلْ عنّا بعيدْ

غِبْ يا هلالْ..

لا تأتِ بالعيد السعيدِ

مع الأَنينْ..

أنا لا أريد العيد مقطوعَ الوتينْ

أتظنُ أنَّ العيدَ في حَلْوى

وأثوابٍ جديدَةْ..؟!

أتظنُ أنّ العيد تَهنئةٌ

تُسطَّر في جريدةْ..؟!!

غِبْ يا هلالْ..

واطلعْ علينا حين يبتسم الزَّمَنْ

وتموتُ نيرانُ الفِتَنْ..

اطلعْ علينا..

حين يُورقُ بابتسامتنا المساءْ..

ويذوبُ في طرقاتنا ثَلْجُ الشِّتاءْ..

 

والقائمة طويلة لا تنتهي لكن نودعكم ونحن نستقبل العيد لنودع العيد الحقيقي لأجلٍ نسأل الله أن يكون قريباً..

نرى الصورة الأخرى لنعرف مدى نعمة الله علينا في نعمة العيد التي تأتينا ونحن في أمن وإيمان وسلام وإسلام وندعو الله أن يعيد لهذه الأمة مجدها وعزها وسيادتها..

وكل عيدٍ والجميع لا يرون سوى الصورة الأخرى عن هذه الأنات..

 

فاصلة:

هذا هو العيد..

حل اليوم..

فابتهجي يا أرض..

ولتلبسي حُللاً بلا عددِ..

قولي لكل بني الإنسانِ في أدبٍ:

هذا هو العيد..

فلنفرح بلا كدرِ..