دراسة لقصيدة " تلويحة لأجل القدس "
عدنان أحمد البحيصي - رحمه الله
تلويحه لأجل القدس ..
لأجل القدسِ أشعاري...
وأحلامي وأشجانِي ...
أرتلها بقِيثاري ...!!
يبدأ شاعرنا محمد فقيه هنا نصه الأدبي بأسلوب التقرير، وكأنه يجيب عن سؤال طرح عليه آنفاً : لمن أشعارك؟
ولا يكتفي شاعرنا هنا بالجواب عن الشعر، إنما يؤكد أن أحلامه وأشجانه هي للقدس أيضاً يغنيها بقيثارته، وفي ذلك أستعارة مكنية حيث شبه الاشعار والأحلام والأشجان بالألحان وحذف المشبه به وجاء بالقيثارة التي يلازمها اللحن.
ولعل القاريء هنا يلحظ أن الشاعر يمزاج بين الحزن والفرح، فأحلامه تبدو لنا فرحاً جميلاً يحلم بتحقيقه، وأحزانه على الواقع حزن عميق، لكن لا يغلب جانب من الجوانب على الجانب الآخر، فكلاهما ينال حقه من ألحانه على قيثارته.
فلا الآلام تحبطنِي ..
ولا الأسقامُ تؤذينِي ..
ولا الليلُ الذي أرخَى ..
سُدولَ الوهــم ِ يغشانِي ..
ويعود الشاعر مرة أخرى ليقرر تلك الحقيقة، فرغم ألم الحزن إلا أن الإحباط لا يتملكه، والأوجاع لا تؤذيه، ولا الليل الذي أرخى سدول الوهم يغشاه، و الليل هنا كناية عن الظلمة القاتلة ، التي تغشى البعض فيغفلون، وفي لفظ "أرخى سدول الوهم " أستعارة مكنية حيث شبه الليل بالإنسان الذي يكتسي ثوباً يسدله.
فإن الفجرَ في كفِي ...
وفي عيني يقينُ الحقِ
يشحذنِي ....
وفي قلبي من الرحمنِ ..
إيماني ..!!.
ويعلل لنا الشاعر في هذه الابيات الأخيرة، لماذا لم يتأثر بكل السابق من الأمر، فالفجر في كفه يهزم به ليل الوهم، وفي عينيه يقين الحق الذي يهزم به الغفلة ويحركه نحو القمة، وفي قلبه إيمان بالرحمن يهزم به الألام والأحزان والأسقام.
وفي جملة " فإن الفجر في كفي " أستعارة مكنية حيث شبه الفجر بالأمر المادي الذي يمسك باليد
وكذلك في لفظ "يشحذني" أستعارة مكنية حيث شبه نفسه بالسيف الذي يصقله يقين الحق.
وفي الحقيقة فإن النص غاية في الجمال، مفعم بالأمل ، يستحق الوقوف عنده طويلاً ، وإنما مضيت عليه سريعاً ، وأنا متأكد أن ثمة أضعاف الجمال الذي بينته هنا.
أشد على يدك يا أستاذ محمد فقيه، وأرجو أن أرى لك المزيد من هذا الجمال والألق الذي لا ينسى.