طباعة 

 

لم تكن نتيجة استفتاء الشعب السويسري على حظر المآذن في سويسرا غريبة وإن نظر لها البعض كذلك..

إن الإلمام بتركيبة العقلية الغربية لا تدع للاستغراب مجالاً.

فالعقلية الغربية بشكلٍ عام وما يُرمز إليه باليمين المسيحي المتطرف بشكلٍ خاص، والذي بدأ يكتسح العديد من الدول الأوروبية - لعل ألمانيا أبرز مثالٍ لذلك – أقول إن هذه العقلية لها عداواتها الظاهرة والباطنة للإسلام والمسلمين، ليس جهلاً بالإسلام كما يتشدق البعض - وإن كانت هناك حالات من هذا النوع – وليس هناك أي مجال للتعايش أو الالتقاء مع هذه العقلية، وأصدق دليلٍ على ذلك قرآن ربنا -عز وجل- حيث قال تعالى:

(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاّ نَصِيرٍ) [البقرة:120].

فاليهود والمشركون والنصارى أعداؤنا رضينا هذا أم أبينا، عرفنا أم جهلنا، واليهود والمشركون أشد عداوة، والنصارى أعداء كذلك، وإن كانوا أقرب إلينا للصفات التي ذكرها الله سبحانه وتعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ). [المائدة: 82].

فلا مجال هنا إذن للتأويل والتماس الأعذار لمن أراد ذلك.

والنصارى ليسوا أعداءً كلهم، كما أنهم ليسوا نصارى كلهم؛ فطوائفهم متباينة بل ومتناحرة، ويكفّر بعضهم بعضاً، وهناك أيضاً شريحة عريضة لا تؤمن بدين سوى المادة، ولا تعبد سوى الحرية والديموقراطية، وهي شريحة لا يُستهان بها، ومواقفها في هذه القضية واضحٌة للعيان.

والمشكلة الأساسية ليست في العدو الظاهر، ولكن في العدو الباطن الذي يُزيّن إمكانية تعايش الشعوب، والسلام العالمي، والحوار الحضاري؛ سواء كان حوار حضارات أو أديان؛ ففيهم تكمن المصيبة الكبرى للأمة، وهم من أسباب ضعفها وتعمية الواقع الحقيقي عنها.

ولذلك يجب أن نفهم عدة أمور لنفهم العقلية الغربية، ويكون التعامل معها على هذه الأسس، ومنها:

- أن الغرب عداوته ثابتة للإسلام والمسلمين، وإن أبدت فرق أو مجتمعات نوعاً من التسامح أو التعايش؛ فهي استثناء وليست القاعدة، وإن كان يجب علينا أن نقدر لهم ذلك، وألاّ نغمطهم حقهم.

- أن العداوة متأصلة في أنفسهم رضعوها مع حليب أمهاتهم وورثوها صاغراً عن صاغر، وإن كانت تختلف أسباب هذه العداوة كجهلهم بالإسلام وتعاليمه، وتعرّضهم للتضليل من قبل وسائل الإعلام الغربية والمراجع الدينية في الغرب، وعلى رأسها الفاتيكان.

- أن العداوة تبلورت كظاهرة، ولم تعد أحداثاً عابرة أو فردية أو وقتية؛ فالبابا قاد حملة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين بتصريحاته سيئة الذكر، والصحف الأوروبية قادت أشرس هجمة ضد رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بدءًا بالسويد والنرويج وغيرهما، وفرنسا منعت الحجاب وشرّعت لمنعه، وألمانيا تشهد حوادث اعتداءات على المسلمين بشكل دائم، وليست جريمة قتل مروة الشربيني الأولى ولن تكون الأخيرة، فهناك اعتداءات دائمة تطال الجالية المسلمة هناك - التركية على سبيل المثال- وأخيراً وليس آخراً حظر بناء المآذن في سويسرا، وستبدي لنا الأيام بقية حبات المسبحة.

- إن الغرب يعيش في حالة صراع دائم مع الإسلام وحرب باردة وساخنة، حرب صليبية تدوي أصواتها منذ اليرموك، مروراً بالحروب الصليبية في القرون الوسطى، وحطين وفترة الاستعمار القديم – الاستخراب – في بدايات القرن الماضي، وانتهاءً وليس نهايةً بالحرب على الإرهاب واستعمار جديد بطرق مباشرة (العراق، أفغانستان) وغير مباشرة(اقتصاد، نهب الثروات، القرصنة).

ولن تضع هذه الحرب أوزارها إلاّ بفتح روما.

إن طبول الحرب على الإسلام لم تتوقف ولن تتوقف؛ لأن سنة التدافع هي التي تحكم هذه العلاقة، وإن من يريد أن يعمّ السلام بيننا وبين النصارى واليهود هو واهمٌ في أفكاره، أو جاهلٌ بسنن الله وأقداره.

فالحرب والتدافع هو سنة الحياة وليست بالضرورة أن تكون بالقتال والسلاح، بل الفتنة في حد ذاتها أعظم من القتل.

فعلى الأمة الإسلامية أن توطّن نفسها للتعامل مع جميع هذه الأساليب في التدافع، وأن تضع لنفسها إستراتيجيتها في مواجهة هذه الحرب المنظمة، والتي تأخذ أبعاداً مختلفة وصوراً متباينة، وكلها يصب في محاولة إطفاء نور الله (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).

 

فاصلة:

 

لكنهُ الحــقُ بالإيمـانِ يجمعُـنـا..

وفي دجُى حُـزننا يعشوشبُ الطللُ

 

لكنّ في أفقنـا القــرآنَ مطلعُهُ…

نورٌ وفـي كفِّنا مـن نورِه شُعَلُ

 

تشـدو مبـاسمُنا بالمجـدِ عامرةً..

يحـدو ركائبَنا الإيمـانُ والأملُ..